اللبنانيّ في المهجر
(قصّة كتبها المؤلّف لتلاميذه في الصفّ الخامس الابتدائيّ)
ليس لبنان بلدًا غنيًّا يسمح غناه لجميع أبنائه بالبقاء في ربوعه؛ فكثيرًا ما ضاق بهم، حتّى رحلوا عنه وهاجروا إلى بلدان غنيّة قليلة السكّان، سعيًا وراء الرزق وكسبًا للمال الضروريّ للبقاء والسّعادة، فانتفعوا من المهاجرة وحاربوا بها الفقر والقلّة؛ وبعد أن كانوا لا يملكون شيئًا أصبحوا أغنياء أثرياء، فعادوا إلى مسقط رأسهم وتملّكوا الأراضي الزراعيّة، وعمّروا البيوت الجميلة، التي حلّت محلّ الأكواخ الحقيرة؛ وأرسلوا أبناءَهم إلى المدارس فعلّمتهم ونزعت منهم الجهل الضَّارّ حتّى صاروا مساوين لغيرهم من أبناء وطنهم.
واللبنانيّ الذي لم يعُد إلى وطنه واستوطن البلاد التي هاجر إليها، كان مثالًا للنشاط؛ أحبّ وطنه الثاني وخدمه، وكسب ثقة أهليه واحترامهم بإخلاصه وصدقه، وعدُّوه كواحدٍ منهم، غير ناظرين إلى أصله، ورشّحوه للمناصب الرفيعة، وقلَّدوه الوظائف العالية حتّى بات مفخرة يفاخَرُ به. ولم ينسَ هذا اللبنانيّ وطنه الأوّل بل ظلّ يمدُّه بماله، وأسّس الصحف والمجلّات بلغته العربيّة كي يحافظ عليها ويصونها، وباللغات الأجنبيّة كي يدافع بها عن حقوق بلاده، ويرفع اسمها عاليًا بين سائر البلدان؛ كما أسّس الجمعيّات لتقوية الروابط بين أبناء العرب على اختلاف ديارهم.
وحبّ المهاجرة في اللبنانيّ لم تكسبه إيّاها الرغبة في التجارة وتحصيل المال بل الميل إلى المغامرة ورؤية الغرائب وحبّ الاطّلاع. وهذا ما قد اشتهر به الفينقييون الذين نافسوا الإغريق في بسط النفوذ التجاريّ على بلدان المتوسّط حتى باتوا أسياد الملاحة والتجارة في البحر والبرّ.
يوسف س. نويهض